قصة تحكي عن مجتعنا بصيغة مرررررررررررة مشفرة
خرجت ذلك اليوم في جولة أروح فيها عن النفس ، وقصدت مكانا هادئا خاليا من المارة ، أردت أن أنعم بساعة من الوحدة والسكون والتأمل ، لكن لم يعكر صفو خلوتي سوى حمار كان غير بعيد عني ، يجوب الأرض باحثا عن ما يأكله .
المهم جلست على بعض الصخر ، وحاولت أن أفكر لولا أن فاجئني صوت صادم غريب : أنت يا انسان تتصرف بشكل لا يُفهم بل لا تفهمه أنت أصلا .
التفتّ ذات اليمين وذات الشمال باحثا عن مصدر الصوت ، لكن ما من أحد سواي والحمار....
ههه لا لا يبدوا أنني مرهق حقا..
تدّعون الذكاء وسرعة البديهة ، وأنت لم تستطع حتى اكتشاف محدثك الواقف أمامك .
صرخت بحدة وهلع : حمار يتكلم..مستحيييل ..
الحمار : ولم الاستحالة ؟! فنحن في زمن العجائب يا هذا ، لكن الحقيقة أني أخاطبك .
أنا " وقد استجمعت شجاعتي " : وما دخلك بي ، اذهبْ وابحث لك عن حمولة تثقل بها ظهرك ، هيا هيا لا تعكر صفو خلوتي .
الحمار : بودي أن أعمل ، لكن الزمن قاس ، ومن الصعب أن تجد مهنة شريفة تؤمن لك مأوى وطعاما ، ارأيت يا انسان أن البطالة ليست حكرا عليكم بل تتشاركون فيها مع بني جنسنا أيضا .
أنا " وقد ثارت حميّتي " : كيف تجرؤ على مقارنة بطالتكم ببطالتنا ، فنحن نكد وندرس ونتخرج ولا نجد شغلا ، أما أنتم فمجرد حيوانات وجدت لخدمتنا فقط .
الحمار : أوَ ليست خدمتكم كدا وجهدا ؟
أنا : وإن يكن..فلن تقدموا أو تأخروا شيئا أمام تكنلوجيتنا وعلومنا .........
الحمار : لم تأت بجديد يا صديقي .
أنا : وضح كلامك . واياك أن تناديني بالصديق مرة أخرى .
الحمار : الاحتلاط يُعدّ أول بوادر العيّ في الكلام وتنتج عنه عصبية ، والعصبية تفضي إلى نقاش فارغ بين الطرفين ، فاثبت يا انسان ولا داعي لكل هذا التعصب .
أنا : حمار على دراية بعلم النفس!!!
الحمار : ولم لا ! بل وقد نتفوق عليكم في هذا المجال ، وما عصبيتك اللحظة ، وبرودتي إلا دليلا يؤكد كلامي .
أنا : يا لك من حمار وقح .
الحمار : شكرا لك .
أنا " حاولت أن أتمالك أعصابي بكل ما استطعت لكي أفحم هذا الحمار اللعين " : حسنا حسنا من أين اكتسبت هذه الثقافة ؟ لا تقل لي أنك درست في الجامعة ولديك شهادة خخخخخخ ( شعرتُ بالزهو وأنا أوجه له هذا الكلام الموجع ) .
الحمار : بكل تأكيد ، لدينا حمير في مجال الطب ، وحمير في مجال الصحافة ، والادارة ....لكن هناك ثلة غبية لا ننكرها ، ألا تسمع المدرس يصف تلميذه الكسول بالحمار ؟ ، لكن بالمقابل تطلقون على من يتميز بالقوة بأن له صحة حمار .
أنا " قاطعته " : أخطأت أيها الماكر ، نقول : له صحة حصان وليس حمار .
الحمار : لا فرق يا انسان ما دام الحصان من جنس الحيوان .
أنا " بارتباك " : لا لا لا ..الحصان أرشق وأجمل والحمار غبي وأبشع .
الحمار : حسنا . نتفق على أن تقارن صحتك بحيوان ، ونستطيع أن نقيس على ذلك باقي الحيوانات ، وأنا حيوان ، اذن نستنتج حسب معادلة رياضية منطقية أنك تعترف بي رغما عن أنفك .
أنا : تبا لك من حمار غبي ، أو ليس أنكر الأصوات صوت الحمير ؟ هذا قول خالقنا الجليل ، فلا تجادل بعد ذلك .
الحمار : لكن أصواتنا أرحم مليون درجة ، ولا تجلب لنا الآثام والمناكر ، أنظر إلى مئات المغنيين الذين ينبحون بأصوات تصك الآذان ، خخخخخ أسمعت نكتة الشاب الذي أراد أن يصبح مغنيا فتقدم إلى اللجنة ، وعندما أدى أغنيته انفجر الميكروفون لأنه لم يتحمل صوته المريع خخخخخخخخخخ . أما المغنيات فلقد تجاوزوا حتى منطق الغريزة الحيوانية ، فتراهن يستعرضن أجسادهن في وضعيات خليعة ، ولا داعي لأحدثك عن قنوات الجنس والخلاعة التي أخجلت الشيطان نفسه . أكلُّ هذا وتسخرون من صوتنا النكير الذي يهون ويهون أمام ذنوبكم العظيمة التي يندى لها جبين الحمار .
ثم لقد ارتكبت خطئا فادحا ، فأنت تسخر من صوتي الذي هو من صنع الخالق فإن كنتَ تظن نفسك تعيب على المخلوق فأنتَ تعيب في الحقيقة على الخالق .
--------------------------------------------------------------------------------
أنا " تلقيت كلامه كالسهام الطاعنة " ثم خاطبته محاولا أن أغير الموضوع : اذن أنت عاطل عن العمل ، خخخخخ يا للواقع المفجع ، حتى الحيوان لم يجد شغلا.....
الحمار : إن العين لتدمع وإن النهيق ليقف في الحلق وأنا أشاهد الطلبة المساكين وحملة الشهادات يطالبون بحقهم في الشغل فتنهال عليهم العصا من كل حدب وصوب .
أنا " وقد بدأت أتقبل تدريجيا كلام حمارنا الفهيم " : البطالة جزء من مشكلة دولة والتي هي مشكلة أمة ، ورأس الداء هو الفقر ، بسببه انتشر التشرد ، واستفحلت الجريمة ، وعمّت السرقة ، كيف لا وملايين الأفواه الجائعة لا تجد خبزا تلوكه ، وإن طرقت أبواب الشغل تجد صدا ونفورا .
الحمار : عجبا لكم يا أبناء خير أمة أخرجت للناس ، تتشاطحون في وضع خطط اقتصادية ، وتتناطحون بدراسات غربية ، وأنتم تملكون أعظم الدساتير .
أنا : لا تعمم يا هذا ، فأولئك غرهّم المال ، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وسيظلون في غيهم يعمهون ، أما مسألة الدساتير فطبعا لن نجد أنجع منه لحل مشاكلنا ، لكن للأسف لا حياة لمن حكومي .
الحمار : و لا حياة لكم أيضا ، كل شيء ترمونه في يد من يحكمونكم ، أوَ بذلتم تضحيات ومجهودات ، أوَ طبقتم دينكم بقسطاس رفيع ؟ إنكم تثيرون شفقتنا ..البارحة بالسوق قام أحد الباعة بطعن زميل له بسبب شجار حول كيلو تفاح ، وهل سمعت بذلك الاداري الذي ضبطت بحوزته ملايين الدراهم التي اختلسها ، إنكم مساكين تعيشون ارتباكا وتناقضا قولا وفعلا ، تكتبون عن الرشوة وتحاربونها ، وأنتم أول من يشجعها ، بل الطامة الكبرى أن الرشوة أصبحت عندكم مجرد هدية أو قهوة ، أوَ ليست هذه هي الحقيقة ؟ .
أنا : بلى . لكن سندخل الآن في الاديلوجيات الثقافية والاجتماعية ، فالجهل بالدين مرض ينخرنا نخرا ، فطبيعي أن تؤول أوضاعنا إلى ما هي عليه ، نحن نحاول ـ والله يشهد ـ أن نساهم بما نستطيع لنشر بعض من الوعي المتواضع الذي نملكه ، نحاول أن نبين أن الاصلاح يبدأ من النفس ثم يتدرج إلى الأسرة فتكوينها فبنائها فنهوضها .
بالأمس ذهبت لأداء فاتورة الكهرباء ، فوجدتُ اكتظاظا رهيبا للناس ، وعشوائية وتزاحما شديدا . فخاطبتهم بنبرة حزم : فطلبت منهم أن يصطفوا واحدا تلو الآخر ، وشرحت لهم أن النظام سيسهل مهمتنا ، وأننا جميعنا ورائنا مشاغل ، لكن يجب أن نصبر ونضحيّ إن أمكن .
عندها بدت على الأغلبية علامات الرضى والموافقة ، اللهم بعض النظرات الاستفزازية المحقرة ، المهم سارت الأمور بنظام وخير ، وكانت تتكرر كل مرة .
ما قمتُ به يعتبر عملا صغيرا وبسيطا للغاية ، لكن هذا أقل ما يمكن فعله لزرع بوادر الوعي وهذا أضعف الايمان .
الحمار : لقد قلتَها بنفسك ، إنه الجهل وسيظل ينخر فيكم ، إلى أن تستقيم الأمور ، مع أن الجهل يشملك أيضا يا إنسان .
أنا : أجل أنا جاهل بأمور كثيرة ، مغتر بالدنيا وشهواتها ، لستُ بالملاك المنزه أو العالم الجليل ، لكنني أجتهد ما استطعت متجنبا الغرق في غياهب جب الجهل . حسنا أبا صابر ( كنية الحمار ) ، زدني من ثقافتكم الحميرية .
--------------------------------------------------------------------------------
الحمار : في مجال العلوم ، لديّ صديق في لوس انجلس يعمل على اعادة صياغة نظريات انشتاين وتعديلها .
أنا : حقا ، صديقك هذا انسان مثلي بكل تأكيد ، لكن لم أسمع بذلك في الصحف والأخبار .
الحمار : صديقي حمار يا هذا .
أنا : حمار وانشتاين خخخخخخخخ لا بد أنك حمار مجنون يا صديقي .
الحمار : المجنون هو أنت ، فلقد حذرتني سابقا بأن أناديك بالصديق ، وها أنت تناديني بذلك شخصيا .
أنا " وقد ابتلعت ريقي بغصة مريرة " : أنت حمار حمااااار وستبقى حمارا أيها الحمار .
الحمار : تمالك نفسك يا هذا ، فلقد اعترفت بصداقتي وكفى ، فلا ترهق نفسك بالصراخ .
أنا " لقد أثار عصبيتي فعلا هذا الحمار الخبيث ، آآآآه لو علم بأنني مولع بعلم النفس لسخر مني أشد السخرية ولن أسلم من لسانه السليط " : حسنا حسنا لقد حدثتني عن العلوم ، فماذا عن الأدب ؟
الحمار : لقد أصدرت مؤخرا ديوانا شعريا بعنوان " غراميات حمار " ومطلعه :
ألا الليل أضْنى بظلامه *** والحب أعتى بطِعانه
بعشق الحبيبة مستحمرا *** حُمرا حميراً حجّوا بقطيعه
فارسل لها الأشواق باسمة *** وحزمة تبن دليلا لحبه
حُميرى إني أحبك فاشهدي *** على من في بحور الوله أغرقتِه
أنا : أين أنت يا مجنون ليلى لتسمع مجنون حُميرى .
ماذا لديك أيضا ؟
الحمار : لديّ مؤلفات في مجال القصة وأعرض لك في هذا الاطار " مغامرات حَمّار في مزرعة عمّار " و " حمار في جب المحنة " ، كما لدي كتابات تهتم بالنقد الأدبي وأيضا دراسات اجتماعية واقتصادية وتاريخية ، وأعرض لك مثلا كتابي " الحمير وأزمة الشعير " و " دَور الحمار في الإعمار " و " الفلسفة الحمارية في مواجهة الادعاءات الداروينية " و " الانسان والحمار والغباء البتار " و " الشيوعية الحميرية " و " وعدُ حمّور هل يتحقق ؟ " ..
أنا " مقاطعا " : لحظة ما هذا الكتاب " وعد حمّور هل يتحقق ؟ " .
الحمار : باختصار شديد حمّور هذا تنبأ به شيخ الحمير الأعظم ، حيث أخبرنا بأنه سيكون لنا نحن معشر الحمير وطن خاص بنا ، حيث سيظهر حمار يدعي حمّور وسيجمع الحمير المشتتين في الأرض ، وستتم المطالبة بوطن قومي للحمير ، وبناء على ذلك سيتم توقيع " وعد حمّور " تماما مثل وعد بلفور الشهير وإن اختلفنا في بعض الجزئيات .
أنا : يه يه يه يا لخبثكم أوَ تريدون أن تستوطنوا كاليهود ؟
الحمار : ما داموا قد حققوا ذلك فسنفعل نحن أيضا .
أنا : سننتصر عليهم عاجلا أم آجلا
الحمار : إلى ذلك الحين يحلها الحلاّل .
أنا : حمار صهيوني حقير
الحمار : هي هي يا هذا أنا حمار عربي فاحترم ألفاظك .
أنا " تبا إنه مجرد حمار ولقد بالغت في تكبير الأمر وتصديقه ، خخخخ قال وطن قومي قال خخخخ "
الحمار : ما دمتم ضعفاء فستطمع فيكم حتى الفئران ولن تفعلوا شيئا .
أنا : اووووووف بالله عليك هل أنت مع المسلمين أم الغرب ؟
الحمار : أنا مع الجهة القوية دائما ، ولا يهمني أي اسم أو جبهة أنتمي إليها .
أنا : حمار برغماتي أيضا
الحمار : الزمن لا يرحم يا حبيبي
أنا : لست بحبيبك يا طويل الأذنين ، تكفيك حميرى .
أخرجتُ من جيبي شبكة الكلمات المتقاطعة وانشغلت بها محاولا أن أتجاهل الحمار .
الحمار : حاااااااا الكلمات المتقاطعة أعشقها جدا ولا أحد يسبقني في حلها ، هل أساعدك .
أنا : اممممم دم = عروق ؛ للتعريف = ال ؛ ريحان = حبق ؛ مدينة مصرية أولها د وآخرها ط امممممم
الحمار : دمياط
أنا : المدينة الخالدة امممممم
الحمار : روما
أنا : عليّ الذهاب الآن ، لقد فُجعتُ بلقائك أيها الحمار ، وداعا .
الحمار : لقد سررت بهذا الحديث الشيق معك ، ويبدوا أنك كاتب مقالات ، سأفرح كثيرا لو ذكرتني في احدى مقالاتك .
أنا " ابتسمت وقد زال ما بي من غيظ " وقلت له : لك هذا يا أبا صابر ، أعدك بأن أروي فاجعة لقائي بك لأعضاء المنتديات العربية .
الحمار : الآن يمكنني أن أقول لك إلى اللقاء وليس وداعا ، أتمنى أن تشرفني بزيارة أخرى .
أنا : عندما أفكر في الانتحار فسأزورك .
مرّ أسبوع على واقعة " الحمار " ولا أخفيكم أني رغبت بشدة بزيارته ، خاصة وأنه كان لديّ الكثير لأقوله لكن وقع المفاجأة أربكني ، لكن هذه المرة سأستعد له بكل ما أملك من دهاء في النقاش وسأفحمه ولو كان شيطان الحمير نفسه .
فهل يا ترى سيلتقي بديع الزمان والحمار الفهيم مرة أخرى ؟ وكيف ستكون المقابلة ؟
الله وحده أعلم بذلك ثم قلم بديع الزمان .
تنبيه : الموضوع يحمل في طياته رسائلا وتعرية للواقع ومعالجة دراماتيكية ، قمتُ بصياغتها في أسلوب فني ساخر ، مع اضفاء شيء من الهزلية المضحكة ـ المبكية .
وشكرا
( م ن ق و ل )